قبل ساعات من انعقاد جلسة قانون حرية تداول المعلومات والتي عقدت الأحد 11 يونيه، كإحدى جلسات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في الحوار الوطني، فوجئنا بحجب موقعين صحفيين "السلطة الرابعة، ومصر 360"، في مفارقة تشير إلى حقيقة الأمر القائم على أرض الواقع.
ففي الوقت الذي يجلس فيه متخصصون وخبراء وصحفيون وممثلون عن أحزاب في جلسة الحوار الوطني للحديث عن أهمية الحصول على المعلومة وتداولها، وأهمية إصدار قانون ينظم هذه العملية، تأتي الإجابة المسبقة قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة، وكأنها ترد على الآمال والأمنيات المتعلقة بنتائجها، والتي جاءت على هيئة قرار حجب الموقعين المذكورين، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن أسباب الإصرار على استخدام حجب المواقع الصحفية، والإصرار على حجب المعلومة عن المواطنين، وكيف بعد ذلك أن يكون هناك إرادة حقيقة في إقرار قانون بأهمية وحساسية قانون حرية تداول المعلومات.
لم يمر يوم من حجب موقع السلطة الرابعة حتى يتم حجب موقع مصر 360، ويأتي الحادثان ليس فقط بالتزامن مع جلسة مناقشة قانون تداول المعلومات، لكنه تزامن أيضًا مع يوم الصحفي المصري، الذي يحتفل به الصحفيون في مصر، في 10 يونيه من كل عام، بعد انتصارهم في معركة "قانون اغتيال الصحافة"، الذي حاولت الحكومة أن تفرضه على النقابة عام 1995، بما يتضمنه مواد تُقيّد عمل الصحفيين، وتفرض مزيدًا من القيود على حرية النشر والرأي والتعبير، جاءت تلك الواقعة لتؤكد عن واقع المهنة المنتكس والذي اغتيل عن عمد على مدار السنوات الماضية وتحديداً منذ انتفاضة الجمعية العمومية عام 2016، والتي جاءت رداً على اقتحام وزارة الداخلية لنقابة الصحفيين.
مناشدات وانتقادات خرجت من بين جدران جلسة قانون حرية تداول المعلومات، كان أبرزها كلمة نقيب الصحفيين خالد البلشي، الذي استنكر حجب موقعي السلطة الرابعة ومصر 360، وأشار إلى ضرورة توفير مناخ لهذا القانون، لكن جميعها لم تأت بثمارها حتى الآن، وظل الوضع على ما هو عليه، فالموقعين لازالوا محجوبين لينضموا إلى قائمة المواقع الصحفية المحجوبة في مصر.
وحتى الآن لم يصدر بيان أو رد رسمي من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فيما يخص حجب الموقعين المذكورين، لكن من أعلى منصة جلسة قانون حرية تداول المعلومات، برر رئيس الأمانة الفنية بالحوار الوطنى المستشار محمود فوزي بصفته الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام قرار حجب الموقعين بعدم حصولهما على ترخيص من المجلس وفقا للقانون 180 لسنة 2018، والذي يعطي الحق للمجلس بحجبهما لعدم تقدمهما بطلبات للترخيص.
لكن الأمر المثير للدهشة هو أن المجلس في أول قرار أو تعامل مع المواقع غير المرخصة يكون الحجب دون مؤشرات أو غيره من علامات الإنذار، فكان الأولى بالمجلس على سبيل المثال أن يخاطب الموقعين بضرورة تقدمهما للحصول على الترخيص كخطوة أولى قبل قرار الحجب، لكن استسهال استخدام آلية الحجب لم ينتج عنها سوى مزيد من الانتهاك في حق الصحافة ومزيداً من انتهاك حق المواطن في المعرفة والوصول إلى المعلومة، إن كان هناك إرادة حقيقة لتغير هذا النمط فلابد من وجود إرادة سياسية حقيقة وتغير تشريعي في المواد القانونية التي تتيح عملية الحجب وعلى رأسها قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
إن حديث المستشار محمود فوزي عن سبب حجب الموقعين والذي أرجعه إلى عدم ترخيصهما، يدعو للتساؤل عن مصير موقع "مدى مصر" على سبيل المثال الذي تقدم بطلب للحصول على ترخيص في أكتوبر 2018، بناءً على دعوة «اﻷعلى للإعلام» للمواقع الإلكترونية لتوفيق أوضاعها، وحتى الآن لم المجلس على الطلب رغم تحديد القانون مهلة 90 يومًا للرد بقبول أو رفض الطلب.
وحُجب موقع مدى مصر منذ 2017 في مصر، دون قرار رسمي أو توضيح للأسباب، ضمن حملة استهدفت مئات المواقع وقتها، وذلك رغم إقامة شركة مدى مصر ميديا، ناشرة الموقع دعوى قضائية في العام نفسه ضد قرار الحجب، لم يفصل فيها القضاء إلى اﻵن.
وبعد صدور لائحة قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام في 2020، تقدم «مدى مصر» في أغسطس من العام نفسه بما يفيد استمرار رغبته في التسجيل، ولم يرد المجلس مجددًا، حتى فوجئت رئيسة التحرير، لينا عطا الله، في سبتمبر الماضي بإفادة من «الأعلى للإعلام» للنيابة العامة برفض طلب الترخيص، لتقيم «مدى مصر ميديا» مجددًا، في أكتوبر الماضي، دعوى أمام القضاء الإداري ضد رفض الترخيص والتي رُفضت في مايو الماضي- وفقا لما أعلنه الموقع الصحفي.
ويعد من أبرز أسباب التوسع في سلطة الحجب التي يستخدمها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن القانون أعطى للمجلس حق الحجب المطلق دون إبداء أي أسباب أو مبررات و استخدام الإنذارات المبدأية قبل عملية الحجب، وهو ما يعتبر تقييد ومحاصرة متعمدة لأي موقع صحفي يحاول تقديم أعمال صحفية حقيقة، وهو ما ألقى بظلاله على المهنة فخلال السنوات الماضية رأينا مواقع أعلنت عن غلقها وتسريح العاملين فيها مثل موقع التحرير الذي أغلق عام 2019 بعد حجبه في 2017 ونتج عن ذلك تسريح ما يقارب 150 صحفي، إلى جانب تراجع عدد المواقع الصحفية المستقلة وهو ما نتج عنه كثرة المحتوى الصحفي غير المستقل في مقابل محاولات بسيطة من مواقع صحفية مستقلة محدودة جميعها إما طالها الحجب أو مهددة.
الخلاصة، أن إصدار قانون حرية تداول المعلومات مهم للغاية، ليس فقط للعمل الصحفي وإنما لكل قطاعات المجتمع، حيث يساعد القانون في تعزيز الثقة في النظام السياسي والاقتصادي والقضائي وحماية حق الأفراد في الحصول على المعلومات، ولكن صدور القانون في حد ذاته دون وجود بيئة ومناخ مهيأ للتطبيق الفعال لهذا القانون يضعفه ويجعل منه مجرد وثيقة تشريعية غير مفعلة وغير منتجة، وذلك في ظل استمرار حجب المواقع الصحفية وعرقلة إصدار التراخيص للمواقع الصحفية ووجود تشريعات تعرقل الحق في الحصول على المعلومات.