يونيو 7, 2021

رباب عزام تكتب: صحفيون خارج الظل النقابي

هل تعلم عزيزي القارئ أنك ربما تكون صحفيًا بلا هوية؟.. نعم.. ففي بلدنا كونك صحفيًا وإن مارست العمل الصحفي لسنوات وسنوات، وإن كنت أستاذًا ورئيسًا لقسم أو حتى مدرب صحفي دولي، لا يعتد به؛ إن لم تحصل على ذلك الختم على أوراقك الرسمية.. ختم نقابة الصحفيين المصرية من المبنى الكائن منذ عقود في شارع عبد الخالق ثروت، في وسط القاهرة.

منذ أيام قلائل، كنت وزميل صحفي نسير في إحدى شوارع المحروسة بوسط القاهرة، صادفنا تمثال صغير مهمل يعود إلى فترة القاهرة الخديوية، يقع على أحد الأرصفة تظلله شجرة عتيقة، استرعى التمثال نظر الزميل المهتم بملف الآثار، وأخذ في التقاط صور له، ورصد صورة الإهمال الجسيم الواقع عليه، حتى هذه اللحظة لا شيء جديد، فسواء كنت صحفيًا أو مواطنًا عاديًا فلك كل الحق في تصوير ورصد ما تريده، طالما لم تخرج عن المحظورات التي أوردها القانون، لكن ظهرت فجأة سيارة دورية للشرطة خرج منها ضابطًا صغيرًا -لعله يصغر الزميل الصحفي بما لا يقل عن عقد كامل على الأقل-، خرج بوجه عابث آمرًا الزميل أن يتوقف عن التصوير وتفتيش الهاتف الخاص به، بادره الزميل بأنه صحفي، ابتسم الضابط باستهزاء قائلا: "تشرفنا يا سي الصحفي.. فين الكارنيه"، لم يعترف الضابط بكارنيه الجريدة وطالبه بالآخر الخاص بنقابة الصحفيين، ولأن الزميل لم يكن عضوًا بنقابة الصحفيين بعد، أراد الضابط اصطحابه إلى القسم بتهمة انتحال صفة صحفي!!، هنا تدخلت كعضو بنقابة الصحفيين وأبرزت ما يثبت ذلك، تراجع الضابط خطوة إلى الخلف مبتسمًا وبعد حوار طويل وتهديدات مهينة للزميل بعد أن أرسل رقم هويته القومية إلى قطاع الأمن الوطني للكشف عنه فربما يكون مسجل خطر!!، أفرج الضابط عن الزميل واستفزه قائلا: "هسيبك عشان الأستاذة"، ربما شعر زميلي الذي يكبرني بما لا يقل عن خمسة عشر عامًا، الإهانة، واستشعرت أنا الإحراج.

لم تمر أيام على الواقعة حتى هاتفتني زميلة أخرى في مثل عمري وسنوات خبرتي في المهنة، معلنة يأسها من إيجاد فرصة للتعيين ومن ثم الحصول على عضوية النقابة المقدسة، شعرت بالأسف على مصير الزملاء من غير أعضاء النقابة، فكم من زميل عمل لعقود طويلة وتقاعد ولم يحصل على العضوية، وكم من زميل واجه مضايقات أمنية في ظل وضع مقيد للحريات الصحفية، تذكرت نفسي قبل أربعة أعوام حينما كنت صحفية بلا هوية رسمية.

 نص الدستور المصري في مادته (77) على أن "القانون نظم إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقاً لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوي نقابة واحدة. ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية في شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بها". ولما كانت نقابة الصحفيين الكائنة بشارع عبد الخالق ثروت هي المنوطة بتنظيم شئون المهنة والعاملين بها، فقد ذكر في القانون رقم 76 لسنة 1970 الخاص بإنشاء نقابة الصحفيين، أن نقابة الصحفيين تشمل أربعة جداول، وأنه لابد من القيد بأحد هذه الجداول حتى يطلق على الشخص "صحفي"، وهذه الجداول هي:

أ ـ جدول الصحفيين تحت التمرين: ويشمل كل من زاول المهنة بعد التخرج من أحد الكليات المصرية المعترف بها من المجلس الأعلى للصحافة، وعمل في مهنة الصحافة في أحد الكيانات الصحفية ومقيد في نقابة الصحفيين، وفقًا لأحكام قانون النقابة واللائحة.

ب ـ جدول الصحفيين المشتغلين: يعتبر الأكثر أهمية، ويعبر عن الصحفي المهني المتمتع بكافة حقوق الصحفي وملتزم بواجباته.

ج ـ جدول الصحفيين غير المشتغلين: ويشمل كل صحفي مشتغل نقل اسمه إلى جدول قيد غير المشتغلين.

د ـ جدول الصحفيين المنتسبين: ويعتبر استثناء من أحكام القانون؛ حيث يجوز للجنة القيد بنقابة الصحفيين أن تقيد في جدول الصحفيين المنتسبين الآتي:

- الصحفيون العرب في مصر الذين يعملون في صحف تصدر فيها أو وكالات أنباء تعمل فيها، متى توافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة، عدا شرط الجنسية المصرية.

- الصحفيون الأجانب المقيمون في مصر، والذين يعملون في صحف تصدر فيها أو في وكالات أنباء تعمل فيها، متى توافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة، عدا شرط الجنسية المصرية.

- الذين يسهمون مباشرة في أعمال الصحافة متى توافرت بالنسبة إليهم الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة، عدا شرط احتراف المهنة.

وفي القانون ذاته الذي لم يعدل منذ عقود طويلة، تنص المادة (65) منه على أن "لا يجوز لأي فرد أن يعمل في الصحافة ما لم يكن اسمه مقيدًا في جدول النقابة بعد حصوله على موافقة من الاتحاد الاشتراكي العربي".. أين الاتحاد الاشتراكي الآن!!.

كما تنص المادة (115) من نفس القانون على أن "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب كل من يخالف أحكام المادتين 65، 103 بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز 300 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعاقب بنفس العقوبة كل شخص غير مقيد في جداول النقابة ينتحل لقب الصحفي، وتؤول حصيلة هذه الغرامات إلى صندوق المعاشات والإعانات في النقابة".

إذن يخرج من توصيف "الصحفي" كل من يمارس المهنة بهدف تكوين أرشيف يضعه في جدول تحت التمرين، أو كل من يعمل بدون تعاقد بينه وبين الجريدة وما أكثرهم!، أو حتى الزملاء ممن يعملون في إصدارات غير معتمدة من مصر، كلهم خرجوا من التصنيف الرسمي للصحفي وإن طالت مدد خبرتهم.

الغريب أن الصحفي يقع في معضلة شديدة، كيف تشدد القوانين على أن الصحفي هو من يحمل عضوية النقابة في أي من جداولها، وكيف للصحفي أن يعمل في الوقت ذاته حتى يصل إلى الالتحاق بعضوية تحت التمرين وهو ليس بعضو!، هنا تكمن المشكلة تحديدًا، فعلى أرض الواقع هناك صحفيون بالمئات وربما الآلاف لم يحصلوا على عقد عمل بينهم وبين المؤسسة التي يعملون لصالحها، وأصبح معظمهم يعملون فقط لكسب قوت يومهم، في عجلة الإنتاج بلا حقوق أو مكتسبات، ولم تضمن نقابة الصحفيين ومجالسها المتعاقبة خاصة من بعد ثورة يناير 2011، إلزام المؤسسات الصحفية بعقد عمل بعد مضي مدة التدريب، ليبقى الصحفي تحت رحمة المؤسسة وحدها دون مظلة قانونية أو نقابية تحميه، رغم إمكانية فتح جدول المنتسبين وحل المعضلة.

لن أتحدث عن تجارب مضيئة في المنطقة العربية، فالتقارير الدولية الواردة مرارًا وتكرارًا تؤكد أنها منطقة انتهاكات وتتذيل قائمة الحريات الصحفية في العالم بأسره، وإن كانت تونس في بعض الأوقات تخرج عن المألوف وتمنح بعض الحريات لصحفييها، وربما للمراسلين الأجانب في شكل تصاريح عمل صحفي لمن هو غير مقيد بجداول النقابة، لكنها تعود كما هي عادة البلدان العربية إلى حقل الانتهاكات والتضييق ثانية.

فلماذا لا تنتهي المعضلة الرهيبة التي يعاني منها كثير من صحفيين مصر غير الأعضاء بنقابة الصحفيين، وتفتح النقابة منح تصاريح عمل رسمية تجدد سنويًا باشتراك رمزي، للصحفي المستقل والحر أو ذلك الذي صعب عليه الحصول على عقد عمل بإحدى المؤسسات؟، وربما تنتهي المشكلة أيضًا بفتح الباب في جداول المنتسبين مرة أخرى، ويحصل الصحفي على الكارنيه المنقذ ولو كان منتسبًا حتى يوفق أوضاعه وينتقل إلى جدول تحت التمرين.

إلى مجلس نقابة الصحفيين.. أليس بينكم من يبادر ويحل أزمة صحفيين مصر، منقذًا إياهم من تشريد وتسريح مستمر عن العمل... امنحوهم غطاء قانوني ليمارسوا المهنة التي عشقوها حد الموت، فأنتم مجلس لكل الصحفيين وليس النقابي فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Site Logo
موقع نقابة ميتر هو موقع متخصص في الشأن النقابي، أسسه مجموعة من الصحفيين المصريين أعضاء الجمعية العمومية لربط الجمعية العمومية بمجلس النقابة وخلق حالة من التواصل بينهما، للمساهمة في الدفع بالمجلس نحو المزيد من التطور والتعاطي مع قضايا الصحفيين، وأيضا لمساعدة أعضاء الجمعية العمومية في اختيار أفضل المرشحين لمجلس نقابة الصحفيين الذين يكرسون جهودهم لصالح المهنة والجماعة الصحفية.
© جميع الحقوق محفوظة نقابة ميتر ٢٠٢٣
متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، 3.0 يتوجب نسب المواد الى « نقابة ميتر » - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص