مارس 14, 2022

شيماء حمدي تكتب: بسنت خالد.. حكاية حياة خاصة انتهكت مرتين

على مدار الأيام القليلة الماضية، عادت قضية فتاة الغربية بسنت خالد التي لم تكمل عامها العشرين حديث مواقع التواصل الاجتماعي وذلك مع بدء جلسات محاكمة المتهمين بانتهاك حياتها الخاصة وابتزازها الكترونيا حتى أقبلت على الانتحار. لكن أثناء التغطية الصحفية بمختلف وسائل النشر انُتهكت الحياة الخاصة لبسنت من جديد بطريقة تتنافى تماما مع أخلاقيات الصحافة وميثاق الشرف المهني.

إن الأخلاقيات المهنية تحتم علينا كصحفيين أن نراجع أنفسنا أثناء تغطية مثل هذه النوعية من القضايا والتي تسمى بــ"القضايا الحساسة"، فهناك بعض الأسئلة التي لابد أن نسألها لأنفسنا قبل نقل المعلومات أو طرح القصة على الجمهور من بينها (ما أهمية تلك التفاصيل بالنسبة للرأي العام، ومدى تأثيرها المجتمعي على المجنى عليها، وهل المجني عليها شخصية عامة أم لا؟). إن الإجابة عن تلك الاسئلة يجعلنا أكثر حرصا أثناء تغطيتنا الصحفية لمثل هذه النوعية من القضايا.

في الحقيقية إن الطريقة التي توفت بها بسنت خالد جعلتها أيقونة لتسليط الضوء على جرائم الابتزاز الإلكتروني وما تتعرض له الفتيات، لكن رغم ذلك تظل تلك الفتاة رحمة الله عليها من أسرة بسيطة وليست  شخصية عامة وبالتالي ما يهم الرأي العام هنا هو الحكم الصادر تجاه هؤلاء الجناة، وأن يكون هذا الحكم بقدر الجرم الذي ارتُكب في حقها- وفقا لما ذكرته تحقيقات النيابة العامة، أما تفاصيل المحاكمة والدفوع سواء للنيابة أو هيئة الدفاع وحتى تقرير الطب الشرعي لا تهم الرأي العام في شيء، خصوصا إذا كانت تلك التفاصيل من الممكن أن تعود بالضرر المجتمعي على الأسرة، أو تتسبب في خرق وانتهاك للحياة الخاصة.

إن ما حدث من عرض أدق التفاصيل لقضية بسنت وخروج بعض المعلومات الهامة والحساسة من بين جدران المحكمة إلى العلانية، ما هو إلا انتهاك جديد لحياة بسنت الخاصة ولكن على نطاق أوسع، انتهاك يرتدي ثوب التغطية الصحفية والحق في المعرفة والمتابعة لكنه يحمل في طياته جلب المشاهدات حتى وإن كان على حساب فتاة أصبحت بين يدي الله.

نحن نعيش في مجتمع يسهل عليه لوم الضحية، يرى أن الانتهاكات الجنسية التي يتعرض لها الفتيات ما هي إلا نتاج لأفعالهن وملابسهن، وبالتالي خروج تفاصيل حساسة لهذه القضية معناه تحميل  للأسرة مزيدا من الأعباء والضغط المجتمعي.

فعلى سبيل المثال؛ خلال الشهر الماضي أقدمت شقيقه بسنت على الانتحار بتناول حبة حفظ الغلال السامة (نفس طريقة انتحار شقيقتها)، لمرورها بأزمة نفسية بسبب ما تتعرض له من كثرة حديث أهالي القرية وتنمرهم عليها وعلى شقيقتها التي توفيت، فما الوضع الأن بعدما علمت القرية بأكملها تفاصيل مؤلمة دفعت بسنت حياتها ثمن اخفاؤها.

إن انتهاك الحياة الخاصة هو فعل يتنافى مع الدستور المصري، ومع أخلاقيات الصحافة، وكذلك مع  ميثاق الشرف المهني الذي ينص في مبادئه العامة على أن الصحافة رسالة حوار ومشاركة، وعلى الصحفيين واجب المحافظة على أصول الحوار وآدابه، ومراعاة حق القارئ في التعقيب والرد والتصحيح، وحق عامة المواطنين في حرمة حياتهم الخاصة وكرامتهم الإنسانية. كما نص على ضرورة الإلتزام فيما ينشره الصحفي بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمه، وبما لا ينتهك حقا من حقوق المواطنين، أو يمس إحدى حرياته.

في النهاية أود أن أقول أن بسنت بين يدي الرحمن، ولا تملك في أمرها شيء حتى ترد على تلك التفاصيل التي تتداول وتنشر علنا وتخرج من بين جدران المحكمة. كما أنها لا تستطيع أن ترد على ما يدعيه محامو المتهمين أمام هيئة المحكمة والتي تم نشرها بالصورة والصورة على عموم المجتمع. لذلك أطالب من زملائي الصحفيين أن يتوقفوا عن تداول تلك التفاصيل الحساسة وأن ننتظر جميعا كلمة القضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Site Logo
موقع نقابة ميتر هو موقع متخصص في الشأن النقابي، أسسه مجموعة من الصحفيين المصريين أعضاء الجمعية العمومية لربط الجمعية العمومية بمجلس النقابة وخلق حالة من التواصل بينهما، للمساهمة في الدفع بالمجلس نحو المزيد من التطور والتعاطي مع قضايا الصحفيين، وأيضا لمساعدة أعضاء الجمعية العمومية في اختيار أفضل المرشحين لمجلس نقابة الصحفيين الذين يكرسون جهودهم لصالح المهنة والجماعة الصحفية.
© جميع الحقوق محفوظة نقابة ميتر ٢٠٢٣
متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، 3.0 يتوجب نسب المواد الى « نقابة ميتر » - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص