يونيو 1, 2025

قانون الإعلام 180 لسنة 2018: هل تحمي المادة 12 النظام أم تكبّل الصحفيين؟

المادة 12 من قانون الإعلام المصري: بين التنظيم المهني وتقييد الحريات

قرر خالد البلشي، نقيب الصحفيين، إطلاق حملة لتعديل المادة (12) من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، والتي تفرض على الصحفيين الحصول على تصريح أمني مسبق للتغطية والتصوير في الأماكن العامة.  

وقد أثار قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 في مصر، منذ صدوره، جدلاً واسعًا داخل الأوساط الصحفية والإعلامية، لما تضمنه من مواد تُنظّم العمل الإعلامي وتفرض قيودًا على الممارسة المهنية. ومن بين هذه المواد، برزت المادة 12 كأحد أبرز النقاط الخلافية، حيث اعتبرها البعض حجر عثرة أمام حرية الصحافة، بينما رآها آخرون ضرورة لتنظيم العمل الإعلامي وضبطه.

ما هي المادة 12 المثيرة للجدل؟

تنص المادة 12 من القانون رقم 180 لسنة 2018 على ما يلي:

"للصحفي أو الإعلامي، في سبيل تأدية عمله، الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك."

وهنا يُبرز نص المادة 12 إقرارًا صريحًا بحقوق الصحفيين في التغطية الإعلامية وممارسة مهامهم المهنية، إلا أنه في الوقت ذاته يُقيد هذه الحقوق باشتراط الحصول على تصاريح مسبقة، وهو ما قد يُعيق سرعة الاستجابة الصحفية، لاسيما في تغطية الأحداث العاجلة والمواقف الطارئة.

وعبارة "بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك" فضفاضة وغامضة وتُترك لتقدير الجهات الإدارية، وقد تؤدي إلى تعطيل ميداني متكرر بسبب اختلاف التفسير من جهة إلى أخرى.

وعند مقارنة هذا القانون وقانون 96 لسنة 1996 على سبيل المثال، فنجد أن قانون 96 منح الصحفيين الحق في جمع المعلومات ونشرها دون قيود صارمة، مع حظر الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، أما قانون 2018 أقر بحقوق الصحفي، لكنه اشترط الحصول على تصاريح في التغطية والتصوير، وأبقى باب التأويل مفتوحًا أمام تقييد تلك الحقوق.

وفيما يتعلق بالعقوبات فلم لم يتضمّن قانون 96 قائمة مفصلة من العقوبات، واكتفى بالإحالة إلى القوانين العامة، أما قانون 2018 تضمّن عقوبات وغرامات صريحة على النشر "المسيء" أو "الضار بالأمن القومي"، وشروط إيقاف أو إلغاء التراخيص.

جدل منذ إقراره

أثارت المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام جدلاً واسعًا منذ إقرار القانون عام 2018، بين مؤيدين له يرون فيه خطوة لضمان احترام القوانين، خاصة في الأماكن التي تتطلب تصاريح خاصة للتصوير أو التغطية. وترى أن الحصول على التصاريح لا يعد تقييدًا، بل إجراءً تنظيميًا يهدف إلى حماية "الأمن القومي والنظام العام".

وبين معارضين له يبدون تخوفات إزاء الحد من حريات وحقوق المهنة. حيث اعترضت عليه نقابة الصحفيين “غير دستوري”، وأشارت إلى وجود شبهة عدم دستورية في 6 من مواده.

قال عضو مجلس نقابة الصحفيين ، عمرو بدر، وقتها، إن النقابة ستواصل ضغوطها لإسقاط مشروع القانون الذي يشوبه العوار الدستوري، مضيفا “القانون مات وعلينا تشييعه”.

من جانبه، قال عضو مجلس النقابة، سعد عبد الحفيظ، “إن المادة 12 من القانون قيدت العمل الصحفي وألزمت أعضاء النقابة؛ من صحفيين ومصورين صحفيين، بالحصول على تصاريح خاصة للتغطيات الميدانية، وذلك على الرغم من امتلاكهم لبطاقات هوية النقابة”.

كما انتقدت منظمات دولية ومحلية، القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، حيث اعتبرته منظمة "مراسلون بلا حدود" خطوة لتقنين هيمنة الدولة على الفضاء الإعلامي، مشيرة إلى أن مواده تمنح السلطات صلاحيات واسعة للرقابة والتدخل في المحتوى الإعلامي، مما يقوّض استقلالية المؤسسات الصحفية ويُفرغ مبدأ حرية الإعلام من مضمونه.

ورأت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن القانون لا يكتفي بتنظيم العمل الصحفي، بل يتجاوز ذلك إلى شرعنه الرقابة المسبقة، عبر اشتراطات فضفاضة تمنح الجهات الإدارية سلطة منع النشر أو تغطية الأحداث، بما يُهدد حق المواطنين في المعرفة، ويُضعف دور الصحافة كسلطة رقابية رابعة.

خطوات جديدة للتعديل 

وفي هذا السياق، دشن نقيب الصحفيين، خالد البلشي، مايو 2025، حملة لتعديل المادة 12، مؤكدًا أن المادة أصبحت عبئًا على العمل الصحفي خلال السنوات الماضية، وداعيًا إلى استعادة "الكارنيه" كتصريح وحيد للعمل الصحفي. 

وطالب نقيب الصحفيين حذف الجملة الأخيرة من هذه المادة، والتي تنص على:  

"وذلك بعد الحصول على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك." تسهيلًا لعمل الزملاء الصحفيين، وخاصة المصورين منهم، واستعادة قيمة كارنيه النقابة، وخطابات الصحف والمواقع المعتمدة، كتصريح وحيد للعمل. كما تهدف الحملة إلى تعزيز دور الصحفي في ممارسة مهنته بحرية دون قيود تعيق أداء رسالته الإعلامية.  

ودعت نقابة الصحفيين الزملاء النواب والهيئات البرلمانية للأحزاب لدفع تحرك مشروع لتعديل هذه المادة قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب. كما دعت الزملاء الصحفيين والإعلاميين إلى التضامن مع حملتنا وتبني مطلبنا.  

وقال نقيب الصحفيين إنه سيدعو الزملاء النواب والمهتمين لاجتماع قريب في النقابة بهدف وضع خطة عاجلة لتعديل المادة، كما سيتم إرسال خطابات لجميع الأطراف لدعم الحملة.  

وأكد البلشي أن النقابة ستتقدم بأجندة تشريعية متكاملة تتضمن رؤيتها لقانون حرية تداول المعلومات، ومشروع قانون منع العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر، وكذلك تعديلاتها على القوانين المنظمة للصحافة والإعلام، للعمل عليها فور بداية الفصل التشريعي القادم. لكنها تأمل أن يتم تعديل المادة (12) خلال الدورة الحالية، مشيرًا إلى أنها تقف حائلًا بين الصحفيين وأداء دورهم المهني في التغطيات الميدانية.

وخاتما، تمثل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 محورًا جدليًا بين المؤسسات الرسمية والجماعة الصحفية، إذ تتقاطع عندها اعتبارات تنظيم العمل الإعلامي مع مقتضيات صون حرية الصحافة. ومع تصاعد الدعوات لتعديل هذه المادة، تبرز الحاجة الملحة إلى حوار جاد وشامل بين مختلف الأطراف المعنية، بحثًا عن صيغة تضمن التوازن بين متطلبات التنظيم وضمانات الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Site Logo
موقع نقابة ميتر هو موقع متخصص في الشأن النقابي، أسسه مجموعة من الصحفيين المصريين أعضاء الجمعية العمومية لربط الجمعية العمومية بمجلس النقابة وخلق حالة من التواصل بينهما، للمساهمة في الدفع بالمجلس نحو المزيد من التطور والتعاطي مع قضايا الصحفيين، وأيضا لمساعدة أعضاء الجمعية العمومية في اختيار أفضل المرشحين لمجلس نقابة الصحفيين الذين يكرسون جهودهم لصالح المهنة والجماعة الصحفية.
© جميع الحقوق محفوظة نقابة ميتر ٢٠٢٣
متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، 3.0 يتوجب نسب المواد الى « نقابة ميتر » - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص