رغم مرور شهور على إعلان الهيئة الوطنية للصحافة عن فتح باب التعيينات للصحفيين المؤقتين بالمؤسسات القومية، لا يزال الملف يراوح مكانه، وسط ما وصفه الصحفيون بـ"المماطلة غير المبررة"، وتعليق غير مفهوم للخطوة الأخيرة في وزارة المالية، وهي توقيع العقود رسميًا.
وفي بيان صحفي صدر الخميس 12 يونيه، ناشد الصحفيون المؤقتون رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التدخل العاجل لإنهاء ما وصفوه بـ"الجمود الإداري"، الذي يُهدد مستقبلهم المهني والأسري بعد سنوات طويلة من العمل دون تثبيت، رغم أنهم "لا يتجاوزون 500 صحفي فقط"، بحسب البيان.
ويأتي هذا الجمود في وقت أعلنت فيه الحكومة عن تعيين آلاف الموظفين في قطاعات متعددة، من بينها 30 ألف معلم، فيما يظل ملف تعيين الصحفيين المؤقتين غارقًا في الغموض، رغم إتمامهم المقابلات الرسمية منذ أكتوبر الماضي، وتوافر الإرادة السياسية، بحسب ما أكده مسؤولو الهيئة والنقابة في أكثر من مناسبة.
من جانبه، قال ميشيل عبد الله، أحد الصحفيين المؤقتين بالصحف القومية، لـ"نقابة ميتر"، إن الأزمة لا تتعلق بعدد ضخم أو بتعقيدات إدارية يصعب تجاوزها، موضحًا أن "عدد الصحفيون المؤقتون لا يتجاوز 500 صحفي فقط، وهو ما يجعل استمرار تعطيل إجراءات التعيين أمرًا غير مبرر"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن الهيئة الوطنية للصحافة، بالتنسيق مع نقابة الصحفيين، كانت قد أعلنت في أغسطس الماضي عن جدول زمني واضح لتعيين المؤقتين، استجابة لمطالبات وتحركات عديدة خاضها الصحفيون المؤقتون بالتنسيق مع نقيب الصحفيين خالد البلشي. وأضاف: "الهيئة بالفعل أجرت مقابلات للزملاء في أكتوبر الماضي، سواء من الصحفيين أو العمال، لكننا لم نر أي نتائج معلنة لهذه المقابلات حتى اليوم".
وأوضح عبد الله أن الهيئة الوطنية للصحافة أبدت جدية واضحة في الملف، وأعلنت كيفية التظلم للرافضين، لكنّ المشكلة الحقيقية حاليًا تكمن في توقف الإجراءات عند وزارة المالية. وقال: "كل المعلومات المتاحة حاليًا تفيد بأن الملف يقف منذ شهور في انتظار اعتماد مالي من وزارة المالية، دون أي إعلان رسمي عن أسباب التأخير". متابعَا: "نحن نعمل منذ سنوات طويلة داخل مؤسسات قومية كبرى، بعضنا تخطّى 15 عامًا من العمل دون عقد دائم، ومن بدأ شابًا في المؤسسة، اقترب الآن من منتصف عمره المهني بلا استقرار وظيفي أو اجتماعي".
وأكد عبد الله أن المؤسسات القومية نفسها أعلنت أكثر من مرة حاجتها لتثبيت هؤلاء الصحفيين الذين يمثلون "عصب العمل التحريري داخلها"، مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لحسم هذا الملف كما تدخّل سابقًا لحل أزمة تعيين المعلمين، خاصة وأن الأعداد هنا أقل بكثير، ما يجعل حل المشكلة سهلًا إذا وُجد القرار.
واختتم بالقول: "نتابع التنسيق المستمر مع نقابة الصحفيين، وندرس اتخاذ خطوات تصعيدية سلمية وقانونية خلال الفترة المقبلة، في حال استمرار تجاهل وزارة المالية للجدول الزمني المُعلن، وعدم الإفصاح عن أسباب تعطيل التعيينات حتى الآن".
وفي آخر بيان أصدره الصحفيون المؤقتون حذروا من أن استمرار هذا التعطيل، بعد التعهدات العلنية من الهيئة والنقابة ومجلس الوزراء، قد يدفعهم إلى خطوات تصعيدية قريبًا، تبدأ بلقاء موسّع داخل نقابة الصحفيين، وقد لا تتوقف عنده.
بدورها، عبّرت الصحفية المؤقتة إسراء فتحي عن خيبة أملها مما وصفته بـ"الخداع" الذي تعرّض له الصحفيون المؤقتون، بعد سلسلة من الاجتماعات والتصريحات التي أشارت إلى قرب صدور قرارات التعيين. وقالت: "للأسف، نشعر بأننا خُدعنا، كنا نتعامل بثقة مع تصريحات مسؤولين في الدولة أقرّوا بتعييننا، بعد اختبارات ومقابلات رسمية أجريت في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، لكن ما حدث هو مماطلة وصمت دون أي مبرر معلن".
وأكدت إسراء أن جميع المؤقتين، باستثناء زميل واحد فقط حصل على حكم قضائي بالتعويض، لكنه تم تعيينه بدلًأ من التعويض، رغم أن الهيئة أعلنت انتهاء أعمال اللجان واختتمت مرحلة المقابلات، وكان يفترض أن يتم إصدار قرارات التعيين بعد ذلك مباشرة.
وتابعت لـ"نقابة ميتر": "نحن نؤمن أن للصحافة دورًا كبيرًا في وعي المصريين، وفي تحسين صورة الدولة نفسها، لكن ما يحدث الآن يوصل لنا رسالة مفادها أن الدولة لا تقدر هذا الدور ولا تعبأ بمصير مئات الصحفيين الذين أفنوا سنوات من أعمارهم في العمل بالمؤسسات القومية دون أي ضمان وظيفي".
وعن الأوضاع الاجتماعية، أضافت: "هناك زملاء كونوا أسرًا، لكنهم يعيشون حالة من انعدام الاستقرار المهني والمادي بسبب غياب القرار. كل ما نطالب به هو تنفيذ وعود التعيين التي انتظرناها سنوات طويلة، والتي أكدت الهيئة الوطنية للصحافة الالتزام بها عبر جدول زمني واضح".
وحمّلت إسراء الهيئة الوطنية للصحافة جزءًا من المسؤولية، قائلة: "على الهيئة أن تتحمل مسؤوليتها وتتابع الملف بجدية أكبر مع وزارة المالية حتى يتم تعيينا.
واختتمت حديثها بالإشارة إلى أنها كانت قد رفعت دعوى قضائية سابقًا للمطالبة بالتعيين، لكنها أوقفت إجراءاتها بعد بدء المقابلات وثقةً في الوعود الرسمية، مضيفة: "لا أفكر الآن في العودة إلى المسار القانوني، وأعمل بالتنسيق الجماعي مع زملائي، لعل التحرك الجماعي يحقق نتيجة أكثر فاعلية".
وكان الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، قد أكد في مايو الماضي خلال حوار صحفي، عن تلقيه خطابًا رسميًا من الحكومة يفيد بـ"دراسة" ضم المؤقتين إلى الكادر الوظيفي.
وقال البلشي، في بودكاست "السر مع إيمان" الذي تقدمه الإعلامية إيمان أبوطالب: "يمكن دي أول مرة أقول ده، لكن بالفعل أرسلت طلبًا للحكومة والهيئة الوطنية للصحافة بخصوص تعيين المؤقتين، وتلقيت ردًا بدراسة الأمر". موضحًا أن الرد الحكومي تضمّن مقترحًا بضم 80 درجة مالية ضمن إجراءات التعيين، مشيرًا إلى أن "الدفعة ستضم 4 دفعات للموافقة عليهم"، دون الكشف عن الجدول الزمني المفترض أو مصير باقي الصحفيين المؤقتين الذين يتجاوز عددهم 500 صحفي.
في أغسطس الماضي، عقد المهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، اجتماعًا مع نقيب الصحفيين خالد البلشي، لمناقشة سبل دعم المهنة وتثبيت أوضاع الصحفيين المؤقتين داخل المؤسسات الصحفية القومية.
وأسفر اللقاء عن اتفاق مبدئي على فتح باب التعيين للصحفيين المؤقتين، إلى جانب الإداريين والعمال، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لضخ دماء جديدة داخل المؤسسات القومية، التي وُصفت في البيان المشترك بأنها "مصنع الخبرات الصحفية في مصر"، حيث تخرّج فيها أغلب القيادات الحالية في الصحف الخاصة والمستقلة.
وبحسب ما أُعلن، كان من المفترض أن تتم عملية التعيين على دفعات شهرية، تبدأ في سبتمبر الماضي، وفق ضوابط محددة يجري الاتفاق عليها بين الهيئة والنقابة. كما تقرر دمج الصحفيين المؤقتين ضمن برنامج تدريبي وتأهيلي، بهدف الاستفادة من العناصر المتميزة في خطة التطوير التي أعلنت عنها الهيئة.
لكن هذه التفاهمات، التي اعتُبرت وقتها خطوة مهمة نحو تصحيح أوضاع مئات الزملاء والزميلات داخل المؤسسات القومية، لم تُترجم حتى الآن إلى أي إجراءات تنفيذية ملموسة.