مايو 29, 2025

انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين (الجمعية العمومية تجدد الثقة في النقيب خالد البلشي.. وتغييرات جزئية في تشكيل المجلس)

مقدمة: السياق العام ونتائج الانتخابات

أُجريت انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في 2 مايو 2025 بعد تأجيلها أربعة مرات بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية. وجاءت الانتخابات على مقعد النقيب و6 من أعضاء المجلس، وأسفرت نتائجها عن فوز الكاتب الصحفي خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية على التوالي، بعد حصوله على 3346 صوتًا من أصل 6051 صوتًا صحيحًا، بنسبة تجاوزت 55%، متفوقًا على منافسه عبد المحسن سلامة الذي حصل على 2562 صوتًا .

فيما جاءت نتائج العضوية كالتالي: 

فوق السن: (محمد شبانة: 2534 صوتًا، حسين الزناتي: 2367 صوتًا، محمد سعد عبد الحفيظ: 2267 صوتًا). أما نتائج تحت السن جاءت:(أيمن عبد المجيد: 2473 صوتًا، محمد السيد الشاذلي: 2348 صوتًا، إيمان عوف: 1764 صوتًا). 

حيث حافظ كل من حسين الزناتي، أيمن عبد المجيد، ومحمد سعد عبد الحفيظ على مقاعدهم داخل المجلس، بينما عاد محمد شبانة إلى المجلس بعد غياب دام عامين إثر خسارته في انتخابات التجديد النصفي لعام 2023، أما مقعدا "تحت السن"، فذهبا إلى محمد السيد الشاذلي وإيمان عوف، في تغيير يعكس ديناميكية المشهد النقابي وتجدد التركيبة التمثيلية داخل المجلس.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات نقابة الصحفيين في 7 مارس 2025، إلا أنها تأجلت بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب، والذي يشترط حضور 50% + 1 من الأعضاء المشتغلين في الانعقاد الأول، أو 25% في الجولات التالية. وتكرر التأجيل في 21 مارس، و4 أبريل، و18 أبريل، وسط حالة من الترقب والتوتر شهدها الوسط الصحفي.

الباب الأول: معركة مقعد النقيب تُهيمن على مشهد الانتخابات

سبقت انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين لعام 2025، حالة من الزخم غير المسبوق مصحوبة بحالة من التوتر التي سادت الأجواء الانتخابية. وتزامنت هذه الانتخابات مع تصاعد التحديات السياسية والمهنية التي تواجه الصحفيين في مصر، بما في ذلك التضييق على الحريات الصحفية وتراجع أوضاع المهنة.

وهيمنت المعركة الانتخابية على مقعد النقيب على المشهد العام لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين لعام 2025، وغطّت على السباق نحو مقاعد العضوية "تحت السن" و"فوق السن" على حد سواء، في ظل استقطاب حاد بين مشروعين نقابيين متباينين.

احتدمت المنافسة بين الكاتب الصحفي خالد البلشي، النقيب المنتهية ولايته، الذي خاض الانتخابات رافعًا شعار "استقلال النقابة"، مستندًا إلى دعم قطاع واسع من الصحفيين ومعتمدًا على خطابه الراسخ في الدفاع عن الحريات الصحفية ورفض تدخل الدولة في الشأن النقابي؛ وبين الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، النقيب الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقًا، المدعوم من قطاعات مؤثرة داخل الصحف القومية، والذي قدّم نفسه كـ"مرشح الدولة" القادر على تأمين مكاسب مادية وخدمية ملموسة لأعضاء الجمعية العمومية عبر التفاوض مع الدولة.

على امتداد الأسابيع التي سبقت الاقتراع، شهدت الحملتان ومؤيدوهما تبادلًا للاتهامات. فقد اتهم أنصار البلشي منافسيهم بالسعي إلى إعادة النقابة إلى دائرة التبعية للدولة، بينما ردّ فريق سلامة باتهامات مضادة للبلشي، معتبرين أن توجهاته تُسيّس العمل النقابي وتُدخل النقابة في معارك "لا طائل منها"، مما يضر بمصالح الصحفيين. كما تبنى فريق سلامة خطابًا يؤكد أن مرشحهم هو الوحيد القادر على التفاوض مع الدولة وتحقيق مكاسب أكبر للصحفيين.

ومع ذلك، لم تنجح هذه الرؤية في كسب الغالبية، حيث خسر سلامة في مواجهة البلشي بفارق يزيد عن 800 صوت، رغم الحملة الانتخابية المنظمة، ووجود دعم معلن أو ضمني من بعض دوائر الدولة. واعتبر مراقبون النتيجة بمثابة تصويت واضح لصالح استقلال النقابة، ورفض واضح لعودة الوصاية الرسمية على قرارها النقابي.

هذا الانقسام عكس تحوّل الانتخابات من مجرد استحقاق نقابي دوري، إلى صراع على هوية النقابة ووظيفتها؛ بين نقابة خدمية تركز على المزايا المادية، ونقابة مهنية مدافعة عن  المهنة واستقلال النقابة.

وعود سلامة الانتخابية بين الترحيب وعدم الاقتناع

قدّم الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، النقيب الأسبق لنقابة الصحفيين والمرشح الأبرز في مواجهة النقيب الحالي خالد البلشي خلال الانتخابات الأخيرة، عددًا من الخدمات والوعود الانتخابية خلال فترة الدعاية التي سبقت التصويت.

1- 1500وحدة سكنية و328 قطعة أرض

أبرز ما أعلنه سلامة كان توفير 1500 وحدة سكنية و328 قطعة أرض مخصصة للصحفيين، بالتعاون مع وزارة الإسكان، تتنوع ما بين وحدات للإسكان الاجتماعي، وإسكان الشباب، وأخرى بمواصفات مميزة.

هذا الإعلان لاقى ترحيبًا من بعض أعضاء الجمعية العمومية الذين اعتبروه بادرة إيجابية تُشير إلى نية جادة من سلامة لتحسين الخدمات المقدمة للصحفيين، على الجانب الآخر قوبلت هذه الخدمة بالتشكيك من البعض داخل الأوساط الصحفية لعدم وجود أية تفاصيل أو أوراق رسمية أثناء تقديم بعض أعضاء الجمعية العمومية للحصول على هذه الخدمات.

ففي تصريح صحفي، أشار محمود كامل، وكيل النقابة وعضو مجلسها، إلى غياب أي بيانات رسمية من وزارة الإسكان أو هيئة المجتمعات العمرانية تؤكد صحة هذه الوعود، ما أثار تساؤلات واسعة حول مدى جديتها ومصداقيتها.

كما رأى عدد من الصحفيين أن توقيت الإعلان، الذي جاء قبل أيام من موعد الانتخابات، يحمل شبهة استغلال انتخابي لاستمالة أصوات الجمعية العمومية، خاصة في ظل ما اعتبروه غيابًا للأسس المؤسسية والإجراءات الرسمية الواضحة.

وتعززت هذه الانتقادات بعد تداول معلومات تفيد بتوزيع استمارات الحجز الخاصة بالشقق والأراضي من خلال مكتب عبد المحسن سلامة بمؤسسة "الأهرام"، بدلًا من قنوات النقابة الرسمية.

وفي محاولة لاحتواء الجدل، عقد سلامة مؤتمرًا صحفيًا أكد خلاله لقائه مع مسؤولين بوزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية، مشددًا على أن الاتفاق قد تم بالفعل، وأن التنفيذ سيبدأ خلال أشهر قليلة. وحتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يتخذ سلامة أي إجراءات فعلية تُترجم هذا الوعد على أرض الواقع.

2- مشروع الـ20 ألف فدان

ضمن حزمة الوعود الانتخابية التي طرحها خلال حملته، أعلن عبد المحسن سلامة عن مشروع لتخصيص 20 ألف فدان من الأراضي الزراعية في سهل المنيا الغربي "غرب غرب المنيا" لصالح الصحفيين بالتعاون مع شركة "الريف المصري" ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف فدان. وقال في إعلانه أن هذه الأرض تُمنح بملكية كاملة، مع إمكانية الحصول على عقود ابتدائية للتعامل مع البنوك بفائدة مخفضة. تتميز هذه الأراضي بوجود شبكة طرق ممهدة وشبكة كهرباء .

وبدا المشروع للبعض طموحًا ويحمل في طياته رؤية تنموية، في المقابل أثار المشروع موجة من الانتقادات والتساؤلات داخل الأوساط الصحفية والنقابية. فقد اعتبره معارضو سلامة مشروعًا ضخمًا بلا تفاصيل تنفيذية واضحة، ولا ينسجم مع الاحتياجات الفعلية للصحفيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية والاقتصادية.

في الوقت نفسه، لم تُصدر أي جهة حكومية أو وزارة الزراعة بيانًا رسميًا يؤكد صحة المشروع أو الشراكة فيه، تمامًا كما حدث مع وعود الشقق والأراضي السكنية.

3- زيادة بدل التكنولوجيا ومحاولة توظيفه انتخابيًا

في سابقة نادرة خلال انتخابات نقابة الصحفيين، غاب "البدل" عن مشهد المنافسة الانتخابية، بعدما فشل جميع المرشحين في الانفراد بإعلان الزيادة المنتظرة من جانب أعضاء النقابة. ويعود ذلك إلى تأخر الجهات الرسمية في الإفصاح عن مصير الزيادة، سواء من حيث قيمتها أو موعد تفعيلها، ما فتح باب الشكوك حول مدى حقيقة زيادة البدل التي أعلن عنها المرشحان.

وكان سلامة قد أعلن عن اتفاقه مع وزارة المالية على زيادة غير مسبوقة في بدل التكنولوجيا والمعاشات للصحفيين، على أن تُطبق هذه الزيادة مع بداية السنة المالية الجديدة في يوليو. كما تعهد بأن تكون هذه الزيادة متبوعة بزيادات أخرى متتالية لسد الفجوة بين البدل والمتطلبات المعيشية .

حمل هذا الإعلان  وعود مالية بدت مغرية لأعضاء الجمعية العمومية، لكن في المقابل غابت المؤشرات الرسمية التي أعتاد عليها الصحفيون في حال زيادة البدل بشكل حقيقي، مثل تصريحات وزير المالية ما أثار تساؤلات واسعة داخل الوسط الصحفي حول مدى جدية الطرح.

على الجاني الآخر، انتقدت حملة البلشي وبعض مؤيديه - ما أسموه- محاولة توظيف الزيادة الحكومية لصالح الحملة الانتخابية لسلامة، مؤكدًا أن قرار الزيادة جاء بطلب مشترك من مجلس النقابة الحالي بالتعاون مع وزارة المالية، وأن توقيت الإعلان عنه - قبل أيام قليلة من التصويت - لا يجب أن يُستخدم كورقة ضغط على الجمعية العمومية.

كما شدد البلشي على أن تحسين دخل الصحفيين لا يجب أن يكون مرهونًا بشبكات علاقات شخصية أو ترتيبات غير مؤسسية، بل عبر نضال نقابي شفاف وتفاوض جماعي يضمن العدالة والكرامة لجميع الصحفيين دون تمييز. مؤكدًا على أن قرار زيادة البدل تم وبنسبة مرضية بعيدًا عن الانتخابات ووعود المرشحين.

كيف طارد شبح الماضي سلامة خلال فترة الدعاية الانتخابية؟

1-وعود بلا تنفيذ

تعهد سلامة خلال حملاته السابقة بتحقيق تحسينات اقتصادية ومهنية ملموسة للصحفيين، تتعلق بالأجور، والتأمين الصحي، وزيادة البدل، والدفاع عن حقوق الصحفيين المحبوسين خلال الدعاية الانتخابية لبرنامجه التي سبقت انتخابات التجديد النصفي لعام 2017، والتي فاز بها بمنصب نقيب الصحفيين. لكن طوال فترة ولايته كمقيبًا للصحفيين خلال الفترة من 2017 وحتى 2019، لم يشهد الوسط الصحفي تقدمًا يُذكر في هذه الملفات، ما أدى إلى فقدان الثقة في قدرته على إنجاز هذه الوعود.

على الجانب الآخر وقع نقيب الصحفيين الأسبق عبد المحسن في عدة أخطاء أثرت سلبًا على المهنة، إذ ظلت كالشبح الذي يطارده خلال فترة الدعاية الانتخابية التي سبقت انتخابات التجديد النصفي الأخيرة.

2-دوره في دعم قانون تنظيم الصحافة المقيد للمهنة

كان من أبرز العوامل التي أضعفت موقف عبد المحسن سلامة انتخابيًا ارتباط اسمه بقانون تنظيم الصحافة والإعلام الصادر عام 2018، والذي يُعدّ من أكثر التشريعات المثيرة للجدل في الوسط الصحفي، نظرًا لما تضمنه من بنود تُقيّد حرية الصحافة وتعزز الرقابة على المحتوى الإعلامي. فقد صدر هذا القانون خلال فترة تولي سلامة منصب نقيب الصحفيين، وكان من أبرز الداعمين له، حيث أعلن تأييده العلني لمواده، رغم الاعتراضات الواسعة من داخل الجماعة الصحفية.

3-ملف الحريات وحبس الصحفيين

ظل ملف الحريات الصحفية وحبس الصحفيين يُطارد تاريخ سلامة النقابي، ويؤثر بشكل مباشر على موقفه الانتخابي أمام قطاع واسع من الصحفيين، وهو ما دفعه لتبنيه خطاب يدافع عن الصحفيين المحبوسين  على عكس مواقفه السابقة.

خلال فترة توليه منصب نقيب الصحفيين في دورة سابقة، أثار سلامة جدلاً واسعًا بتصريحاته حول حقيقة وجود صحفيين محبوسين، حيث أكد في أكثر من مناسبة أنه "لا يوجد صحفي محبوس في قضايا نشر". هذه التصريحات لم تُلقَ قبولًا لدى عدد من أعضاء الجمعية العمومية، الذين رأوا فيها تماهيًا مع الرواية الرسمية للدولة، مما أثار استياءً واسعًا بين الصحفيين.

4- تعديل قانون نقابة الصحفيين 

خلال حملته الانتخابية الأخيرة، تحدث عبد المحسن سلامة عن ضرورة تعديل قانون نقابة الصحفيين، وهو ما أثار جدلاً واسعًا داخل الوسط الصحفي. اعتبر عدد كبير من الصحفيين أن هذه التصريحات تشير إلى محاولة لتقليص دور النقابة وتحجيم استقلاليتها، مما أثار ردود فعل سلبية من شريحة واسعة داخل الجسم الصحفي.

وتعززت هذه المخاوف بسبب المواقف التي تبناها سلامة أثناء ولايته كنقيب للصحفيين في الفترة من 2017 حتى 2019، حين سعى إلى تعديل قانون النقابة بشكل أحادي دون إشراك الجمعية العمومية أو إجراء مشاورات واسعة. هذا الإجراء أثار شكوكًا حول نوايا التعديلات المقترحة، حيث اعتُبرت محاولة لمنح صلاحيات إضافية للجهات الرسمية على حساب حرية الصحفيين في اختيار ممثليهم والدفاع عن حقوقهم.

الباب الثاني:  نتائج الانتخابات والعوامل المحيطة 

جاء فوز خالد البلشي، المرشح المنتمي إلى تيار الاستقلال واليسار، بنسبة تجاوزت 55% من الأصوات، متقدمًا بفارق كبير على منافسه عبد المحسن سلامة، المحسوب على المؤسسات الحكومية. إلى جانب ذلك، فاز اثنان من مرشحي تيار الاستقلال، وهما محمد سعد عبد الحفيظ وإيمان عوف، بمقاعد عضوية مجلس النقابة في الانتخابات الأخيرة، مما يشير إلى تغير واضح في مزاج الجمعية العمومية وتركيبتها.

يعكس هذا الفوز تحوّلًا في توجهات الصحفيين، لا سيما مع تزايد تأثير الأجيال الجديدة التي باتت تضع قضايا الحريات المهنية والاستقلالية النقابية في صدارة أولوياتها. كما تشكل هذه النتائج مؤشرًا قويًا على تحول في التركيبة الداخلية للجمعية العمومية التي كانت غالبًا تميل لصالح المرشح المدعوم من الدولة على حساب المستقل.

ويُعزى هذا التحول إلى عدة عوامل رئيسية، من بينها زيادة أعداد الصحفيين الشباب ضمن الجمعية العمومية، وتوقف التعيينات الحكومية لفترة طويلة، إلى جانب ارتفاع الوعي بقضايا الحريات المهنية وضرورة استقلال النقابة، وعدم العودة إلى حقبة ما عُرفت بين أوساط الصحفيين بـ "تكفين النقابة". إضافة إلى ذلك، ساهم تدهور الأوضاع المهنية نتيجة تشريعات مقيدة للمهنة أُقرت خلال السنوات الأخيرة، ما أثر سلبًا على المستوى المعيشي للصحفيين، في جعل الخيارات السياسية والنقابية أكثر تنوعًا وديناميكية.

1-وقف التعيينات

يُعد توقف التعيينات في المؤسسات الصحفية الحكومية عاملاً مؤثرًا في إعادة تشكيل تركيبة الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، ما ظهر جليًا في نتائج الانتخابات الأخيرة للنقابة. ففي السابق، كانت التعيينات الحكومية توفر تدفقًا منتظمًا لعدد من الصحفيين المرتبطين بالمؤسسات الرسمية، الأمر الذي ساهم في تعزيز حضور مرشحي الدولة ضمن عضوية النقابة وترجيح كفتهم في الانتخابات.

مع توقف التعيينات، تراجع هذا التأثير التقليدي، وبدأت تركيبة الجمعية العمومية تتجه نحو مزيد من التنوع، حيث دخلت أصوات جديدة من صحفيين شباب وأعضاء ينتمون إلى قطاعات صحفية مختلفة، غير مرتبطة بالسلطة الرسمية. هذه التغيرات أسهمت في إضعاف نفوذ المرشحين المقربين من الدولة، وفتحت المجال أمام ظهور تيارات مستقلة ونقابية أكثر استقلالية.

وعليه، فإن وقف التعيينات الحكومية شكل نقطة تحوّل استراتيجية في التوازنات النقابية، حيث أسهم في خلق بيئة انتخابية أكثر تنافسية وشفافية، ومهد الطريق لصعود مرشحين يعبرون بصدق عن طموحات الصحفيين في حرية واستقلالية النقابة.

2-ملف الحريات والتشريعات المقيدة للمهنة

لطالما شكلت علاقة نُقباء الصحفيين المحسوبين على الدولة مع ملف الحريات المهنية والتشريعات المقيدة للمهنة محور جدل واسع داخل الجسم الصحفي المصري. حيث اتسمت فترات ولايتهم بمواقف متحفظة، وغالبًا ما أظهرت نقابة الصحفيين، تحت قيادتهم، تماهيًا مع الخط الرسمي للدولة، ما انعكس على قدرتها على الدفاع الفعّال عن حقوق الصحفيين وحرياتهم.

هذه المواقف شملت قبول أو على الأقل عدم معارضة تشريعات تقيد حرية الصحافة من بينها قانون تنظيم الصحافة والإعلام وقانون الكيانات الإرهابية، كما عُرف عنهم التقليل من أهمية قضايا الصحفيين المحبوسين أو المتهمين في قضايا مرتبطة بالمهنة، مما أثار استياء كبيرًا داخل الأوساط الصحفية، واعتُبر تماهيًا مع الرواية الرسمية.

نتيجة لذلك، فقد النقباء المحسوبين على الدولة ثقة شريحة واسعة من الصحفيين، خاصة المستقلين والمعارضين، ما انعكس بوضوح في نتائج انتخابات النقابة الأخيرة. إذ برزت أصوات وشخصيات جديدة من تيارات مستقلة تتبنى خطابًا أكثر جرأة في الدفاع عن الحريات المهنية ورفض التشريعات المقيدة، مما شكل تحديًا حقيقيًا لنفوذ التيارات التقليدية.

3-الأوضاع المعيشية والاقتصادية للصحفيين

يعاني غالبية الصحفيين في مصر من تدهور مستمر وملموس في أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ناتج عن تراكم عوامل متعددة ومتشابكة. فقد شهد القطاع الصحفي انخفاضًا حادًا في مستويات الأجور، إلى جانب ارتفاع معدلات عدم الاستقرار الوظيفي، خاصة مع تراجع فرص التوظيف الرسمي والثابت داخل المؤسسات الصحفية التقليدية. ويتفاقم هذا الوضع بسبب التأخير المتكرر في صرف المستحقات المالية، مما يزيد من الضغوط المعيشية على الصحفيين. علاوة على ذلك، يُفاقم استمرار تطبيق تشريعات تحدّ من حرية العمل الصحفي هذه الأزمات، حيث أدت إلى تقليص فرص التطور المهني، وأثرت سلبًا على تقدم المهنة ككل.

هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب أثار حالة واسعة من الاستياء والقلق داخل الجسم الصحفي، إذ لم تعد التمثيلات النقابية التقليدية تلبي تطلعات الصحفيين، الذين باتوا بحاجة ملحة إلى قيادة نقابية فاعلة تُعنى بالدفاع الحقيقي عن حقوقهم الاقتصادية والمهنية، وتوفير آليات عملية لتحسين ظروفهم المعيشية، بدلًا من الاكتفاء بدور شكلي أو التماهي مع الجهات الرسمية التي لم تقدم حلولًا جذرية أو ملموسة.

وعلى الرغم من أن نقيب الصحفيين خالد البلشي، خلال فترة ولايته (2023-2025)، لم يحقق نتائج بارزة بشكل ملموس في هذا الملف، إلا أنه قدّم نموذجًا نقابيًا مختلفًا سعى من خلاله إلى فتح جميع الملفات ومحاولة الضغط على الجهات المعنية لتحسين الأوضاع الاقتصادية للصحفيين. ومن أبرز مبادراته إطلاق حملة "أجور عادلة للصحفيين"، والتي طالبت المؤسسات الصحفية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 7000 جنيه، وهو المبلغ المعتمد رسميًا من الدولة كحد أدنى للراتب.

يمثل هذا التوجه تحولًا نوعيًا في العمل النقابي داخل النقابة، حيث بدأت الأولوية تتجه نحو معالجة القضايا المعيشية الاقتصادية للصحفيين، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه تحقيق هذه المطالب.

الباب الثالث: الصحفيات في انتخابات التجديد النصفي تمثيل فاعل يتجاوز الرمزية

شهدت انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين مشاركة نسائية بارزة، حيث تنافست عشر مرشحات من بين 43 مرشحًا على مقاعد المجلس، وهو ما يمثل أعلى نسبة مشاركة نسائية في تاريخ انتخابات النقابة. نجحت الصحفية إيمان عوف، المنتمية إلى تيار الاستقلال والمعروفة بمواقفها النقابية المستقلة، في الفوز بمقعد "تحت السن"، معززة بذلك حضور الصوت النسائي داخل مجلس النقابة من موقع تمثيلي فاعل يتجاوز الأدوار الشكلية والرمزية.

حصلت إيمان عوف على 1764 صوتًا، فيما نالت فيولا فهمي 1378 صوتًا، ودعاء النجار 1139 صوتًا، وشيرين العقاد 735 صوتًا، ما يعكس توجهًا واضحًا بين أعضاء الجمعية العمومية للتصويت لأكثر من مرشحة نسائية في ورقة الاقتراع.

على الرغم من عدم فوز بقية المرشحات، فإن حجم الأصوات التي حصلن عليها يشير إلى تحول ملحوظ في وعي الجمعية العمومية بأهمية التمثيل النسائي واعتراف متزايد بكفاءة الصحفيات في المجال النقابي. كما أظهرت بعض المرشحات أداءً متقدمًا من خلال برامج انتخابية قوية ومواقف واضحة تدعم استقلال النقابة وحرية الصحافة، مما يؤكد أن التمثيل النسائي في هذه الدورة كان نابعًا من حضور فعلي ومؤثر وليس مجرد مجاملات رمزية.

اشتملت برامج بعض المرشحات، ومن بينهم الفائزة بمقعد تحت السن إيمان عوف، على مبادرات لتنظيم العلاقات داخل المؤسسات الصحفية، مثل طرح مدونات السلوك المهني، والتي حظيت باهتمام واضح من عدد من أعضاء الجمعية العمومية.

تمثل هذه الانتخابات انفراجة جزئية في تمثيل النساء داخل النقابة، وتمهد الطريق نحو مشاركة أوسع وأكثر فاعلية للصحفيات في المستقبل، مع التأكيد على أن استمرارية هذا التمثيل تعتمد على امتلاك الصحفيات للكفاءة، والوعي المهني، والحضور النشط، مما يجعل وجودهن داخل مجلس النقابة أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا لا استثناءً عارضًا.

خاتمة 

تمثل نتائج انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في عام 2025 نقطة تحوّل حاسمة تجسد إرادة الجمعية العمومية في تعزيز استقلالية النقابة والدفاع الصامد عن حرية الصحافة، في ظل محاولات متواصلة لتقليص دورها وتقويض حريتها. فوز خالد البلشي، إلى جانب اثنين من أعضاء تيار الاستقلال، يعكس رفضًا صارمًا لأي أشكال من التبعية أو الوصاية الرسمية، ويعبر بوضوح عن تطلع الصحفيين إلى نقابة تمثل طموحاتهم الحقيقية، وتحمي حقوقهم في ظل بيئة شديدة التعقيد والضغوط المتزايدة على الحريات العامة.

لكن نتائج هذه الانتخابات ومؤشراتها، لا يعني انتهاء التحديات؛ إذ يظل الطريق أمام النقابة طويلاً وشاقاً، يتطلب العمل الجاد وتبني قيم الشفافية والمصداقية، ومواجهة التحديات المهنية والاقتصادية التي تعصف بالمهنة. كما يحتم عليها مضاعفة الجهود للحفاظ على كرامة الصحفيين ودعم حرياتهم الأساسية، لتظل النقابة قادرة على قيادة مرحلة جديدة من الإصلاح والتغيير، تواكب تطلعات الصحفيين في مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Site Logo
موقع نقابة ميتر هو موقع متخصص في الشأن النقابي، أسسه مجموعة من الصحفيين المصريين أعضاء الجمعية العمومية لربط الجمعية العمومية بمجلس النقابة وخلق حالة من التواصل بينهما، للمساهمة في الدفع بالمجلس نحو المزيد من التطور والتعاطي مع قضايا الصحفيين، وأيضا لمساعدة أعضاء الجمعية العمومية في اختيار أفضل المرشحين لمجلس نقابة الصحفيين الذين يكرسون جهودهم لصالح المهنة والجماعة الصحفية.
© جميع الحقوق محفوظة نقابة ميتر ٢٠٢٣
متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، 3.0 يتوجب نسب المواد الى « نقابة ميتر » - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص