في مشهد غير معتاد، تخوض عشر صحفيات من أصل 43 مرشحًا انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين على مقاعد مجلس النقابة، وهي نسبة لافتة تعكس تحولًا ملحوظًا بالمقارنة مع الدورات السابقة، التي اتسمت بضعف تمثيل النساء وتراجع عدد المرشحات.
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت وتيرة نضال الصحفيات داخل نقابة الصحفيين وخارجها، في مواجهة التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الصحفية. فبعد أن كانت الشهادات عن الانتهاكات تُروى في الخفاء، تحوّلت إلى حملات علنية، كشفت عن واقع مهني غير آمن للنساء، سواء داخل غرف الأخبار أو أثناء التغطيات الميدانية.
ويأتي هذا النضال في ظل ضعف تاريخي في التمثيل النقابي للصحفيات؛ فعلى مدى 75 عامًا، لم تفز بعضوية مجلس النقابة سوى عشر صحفيات فقط، كانت آخرهن دعاء النجار، التي انتُخبت في تجديد 2021 وتولت رئاسة لجنة المرأة التي تأسست في أبريل من العام ذاته بقرار من مجلس النقابة، واستمرت في رئاستها لأربعة أعوام.
رغم هذا السياق الصعب، برزت مبادرات تقودها صحفيات من داخل النقابة وخارجها، سعيًا نحو إصلاح بيئة العمل الصحفي، وضمان تمثيل نقابي يعكس احتياجات الصحفيات وتحدياتهن اليومية. وفي هذا التقرير، نرصد تحولات النضال النسوي داخل نقابة الصحفيين، وكيف أسهم هذا الحراك في دفع المزيد من الصحفيات إلى خوض تجربة الترشح، تأكيدًا على ضرورة التمثيل الحقيقي في مواجهة الأزمات البنيوية التي تواجهها النساء في المهنة.
خطوات من النضال من أجل تمثيل عادل وعدالة جندرية
في شرحها للخطوات التي اتخذتها الصحفيات خلال السنوات الأخيرة في العمل على قضاياهن، قالت الكاتبة الصحفية نفيسة الصباغ، عضو الجمعية العمومية: "رغم أن فكرة تعزيز مشاركة النساء داخل نقابة الصحفيين المصرية وتمثيلهن الفاعل في انتخابات المجلس ليست جديدة، فإن ملامحها بدأت تتبلور بوضوح اعتبارًا من عام 2019، بالتزامن مع انطلاق حملة "أنا أيضًا" (Me Too) في المجال العام، والتي ألقت بظلها على الوسط الصحفي. حينها، بدأت مجموعات من الصحفيات – عضوات الجمعية العمومية – في المطالبة بإنشاء لجنة للمرأة داخل النقابة، تكون معنية بقضايا وأزمات الصحفيات تحديدًا، والتي تختلف في طبيعتها عن تلك التي يواجهها الصحفيون الرجال".
وأضافت الكاتبة الصحفية: مع تبلور الأفكار وتكوّن نواة نسوية من الصحفيات المشتبكات فعليًا مع قضاياهن، ظهرت تباينات داخل هذا الحراك من حيث طرق التفكير وأدوات العمل. تباينت الرؤى بين اتجاه إصلاحي يرى أهمية التدرج في الخطوات لتحقيق التمثيل العادل والعدالة الجندرية، واتجاه آخر أكثر راديكالية يطالب بالقفز مباشرة نحو الأهداف الكبرى. كما كان هناك تيار أكثر تحفظًا رأى ضرورة العمل ضمن الإطار الثقافي السائد وتحقيق تحسينات تدريجية في البيئة العامة دون صدام مباشر. وأشارت الكاتبة الصحفية إلى أن كل تيار من هذه التيارات وجد من يمثله داخل الجمعية العمومية، ما أفرز مشهدًا نسويًا متنوعًا في الرؤية والتنظيم.
تفند الكاتبة الصحفية نفيسة الصباغ مراحل عمل هذه المجموعات تقول: "استمرت هذه المجموعة النسوية في العمل والتشاور حتى وصول ضياء رشوان إلى منصب نقيب الصحفيين، حيث قرر تدشين لجنة المرأة رسميًا داخل النقابة. هذه الخطوة مثلت نقطة تحول، ومعها انقسمت المجموعة المؤسسة إلى ثلاث مسارات رئيسية: المجموعة الراديكالية التي اختارت الاستمرار في الضغط من خارج الأطر الرسمية، وتمثلت في حركة "صحفيات مصريات"، المجموعة الإصلاحية التي قررت العمل تحت مظلة النقابة والتفاعل مع من يُنتخب فيها مهما كانت توجهاته، طالما توجد مساحة للحراك، والمجموعة المحافظة التي خرج من رحمها مبادرة مثل "مؤنت سالم"، وفضّلت نهجًا أكثر اتساقًا مع الثقافة المجتمعية السائدة."
وتابعت: تولّت الصحفية دعاء النجار رئاسة لجنة المرأة منذ تأسيسها عام 2021، واستمرت في المنصب حتى الآن. ورغم أن أداء اللجنة لم يكن مرضيًا للبعض، فإنه شكّل - بالنسبة لآخرين - مساحة مهمة للاشتباك، حيث رأى مؤيدو هذا المسار أن العمل من الداخل، وإن كان بطيئًا، قد يكون أكثر استدامة، وأقل عرضة للإلغاء من قبل المجالس اللاحقة، لا سيما في ظل التعقيدات الثقافية والدينية والاجتماعية المحيطة بقضايا النساء في مصر.
وترى الكاتبة الصحفية، عضو الجمعية العمومية، أن قطاع من الصحفيات المنخرطات في هذا النضال يؤمن بأن التغيير السريع وغير المتوافق عليه قد يكون هشًا وسهل الإطاحة به. لذلك، يرى البعض أن المكاسب المتحققة عبر خطوات صغيرة ومتراكمة تُعد الأكثر فاعلية، حيث يصعب على المجالس النقابية القادمة التراجع عنها بسهولة، خصوصًا إذا كانت تلك المكاسب نتاج توافق نسبي داخل الجمعية العمومية.
في المقابل، ترى الصحفيات ذوات التوجه الراديكالي أن رفع سقف المطالب ضرورة، حتى وإن بدا صادمًا للبعض. فوجود خطاب نسوي أكثر حدة، بحسب رأيهن، يدفع قطاعات من النقابة إلى تبني المطالب الوسطية باعتبارها الأقل تكلفة، وهو شكل من أشكال الضغط الإيجابي على صناعة القرار. لكن في الوقت نفسه، يُقرّ هذا التيار بأن الخطاب الراديكالي قد يُخيف بعض الأعضاء من الانخراط في المعركة من الأساس، ما يتطلب إدارة المعركة بذكاء ونَفَس طويل - بحسب الصباغ.
تؤكد الكاتبة الصحفية، عضو الجمعية العمومية، على أن الإقبال اللافت للصحفيات على الترشح في انتخابات النقابة الحالية يُعدّ أحد تجليات معركة النفس الطويل. فالترشح بحد ذاته يُعد قرارًا غير شائع بين الصحفيات، ويعكس مستوى متقدمًا من الوعي والتنظيم. هذه الخطوة جاءت نتيجة طبيعية لجهود جماعية بُذلت على مدى أكثر من خمس سنوات، من قبل مجموعات مختلفة من الجمعية العمومية، عملت بآليات متعددة على القضايا النسوية في الوسط الصحفي.
وتختتم حديثها بأن اليوم، نرى ثلاث صحفيات على الأقل، مؤمنات بقضايا النساء وأزماتهن في سوق العمل الصحفي، قررن خوض معركة الانتخابات، وتحويل النضال من الهامش إلى قلب النقابة.
من جهتها، ترى الكاتبة الصحفية إيمان عوف، المرشحة على عضوية مجلس نقابة الصحفيين تحت 15 سنة، أن نضال الصحفيات في مصر لم يكن يومًا معزولًا عن نضال المرأة المصرية عمومًا، فنحن جزء من سياق مجتمعي عام يعاني من أنماط متجذّرة من التمييز ضد النساء. وعلى مدار تاريخ العمل النقابي، لعبت الصحفيات أدوارًا بارزة في لحظات محورية. في إحدى الدورات النقابية السابقة، شهدنا وجود ثلاث صحفيات في مجلس النقابة، من بينهن الأستاذة أمينة شفيق، وكان لهن دور مؤثر في الدفاع عن استقلال نقابة الصحفيين، إلى جانب مواقفهن الراسخة في قضايا الوطن ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني.
وأضافت أن هذا الأداء النقابي المتميز أتاح للجمعية العمومية في ذلك الوقت أن ترى الصحفيات باعتبارهن فاعلات أساسيات في النقابة، وليس فقط مهتمات بقضايا نمطية يُحصَر فيها حضور النساء مثل الموضة أو الطفل. لقد غيّر هذا الحضور الفعّال الصورة النمطية عن اهتمامات النساء داخل النقابة.
لكن خلال السنوات التالية، وتحديدًا بعد عدد من التحولات السياسية والمجتمعية، منها ما ارتبط بمرحلة "السادات" وتراجع حضور المرأة في المجال العام، بدأنا نشهد ردّة واضحة انعكست على حضور النساء في الحياة العامة وفي المؤسسات، بما في ذلك المؤسسات الصحفية. فقد غابت الصحفيات عن عضوية مجلس النقابة لثلاث دورات متتالية، وكان عدد المرشحات ضئيلًا للغاية، ما يعكس تراجع الحضور النسائي في العمل النقابي – بحسب عوف.
وأضافت: في مواجهة هذا التراجع، جاء جيلي والجيل الذي تلاه لكسر هذه الحالة والاشتباك مع النقابة من القاعدة، والانخراط في قضايا المهنة. ولهذا، لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي لعبته الصحفيات في كل المعارك النقابية الكبرى، حيث وقفن في الصفوف الأولى جنبًا إلى جنب مع زملائهن الصحفيين، وكنّ طرفًا مؤثرًا في اتخاذ القرارات. ويظهر هذا الحضور بوضوح في الجمعيات العمومية التي تسبق الانتخابات، حيث تكون الصحفيات الأكثر حرصًا على الحضور والمشاركة الفعّالة، ولديهن آراء واضحة يحاولن الدفاع عنها بقوة. فلماذا لا نستعيد هذا الحضور مرة أخرى، ونعود لنتقدم الصفوف كما كنا؟
وتابعت عوف: زاد من تعقيد المشهد التدهور الحاد داخل المؤسسات الصحفية، وارتفاع وتيرة العنف ضد النساء، سواء كان نفسيًا أو جسديًا، أو مرتبطًا بعدم التمكين. فما زلنا نواجه واقعًا مؤسفًا، حيث لا توجد إلا قلة نادرة من رئيسات التحرير، وحتى داخل المؤسسات القومية، يتم حصر النساء في رئاسة تحرير مجلات متخصصة في الموضة أو قضايا المرأة.
في ظل هذا الواقع، كان لا بد من وقفة. بدأت ملامحها تظهر مع تفجّر قضايا التحرش في 2019، حيث اجتمعت الصحفيات وتبيّن أن هناك حاجة ملحة للكشف عن المسكوت عنه، والحديث بوضوح عن الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات. من هنا، وُلدت مبادرة قوية شاركت فيها مجموعة من الصحفيات المصريات، وجاءت على خلفية تلك الوقائع، ونجحن في جمع توقيعات نحو 350 صحفيًا وصحفية على مذكرة طالبت بتشكيل لجنة للتحقيق في قضايا العنف ضد النساء داخل المؤسسات الصحفية، وعدم الاكتفاء بقضايا التحرش فقط، بل التوسع لبحث التمييز وعدم التمكين، وحقوق مثل الحمل والرضاعة والترقيات – تقول عوف.
أوضحت المرشحة على عضوية مجلس النقابة أنه رغم أننا في البداية لم نكن متحمسات لفكرة "لجنة مخصصة للمرأة"، فإن تفاقم الأزمات وكثرة الشكاوى اليومية داخل المؤسسات دفعتنا لإعادة النظر. من هنا جاءت الضرورة لوجود لجنة تسعى إلى تمكين الصحفيات، ومواجهة العنف، ومتابعة ملف مدونات السلوك، والعمل على تحقيق بيئة عمل آمنة وغير سامة للنساء. وأشارت إلى أن هذه التحركات أعادت ثقة الصحفيات بأنفسهن، وشجعتهن على الترشح لعضوية مجلس النقابة، مع كسر فكرة أن تواجد امرأة في المجلس هو مجرد تمثيل رمزي. لقد أصبحت المعادلة اليوم أكثر وعيًا: نحن ننتخب من يمتلك الكفاءة ويهتم بقضايا المهنة، بغض النظر عن النوع الاجتماعي.
مدونة السلوك وتوفير بيئة عمل آمنة: من مطلب إلى أولوية
قالت الكاتبة الصحفية، عضو الجمعية العمومية، منى عزت إنه منذ صدور اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 لعام 2019، بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل، حظيت هذه الاتفاقية باهتمام دولي واسع، نظرًا لما تضمنته من مبادئ واضحة لحماية بيئة العمل وضمان سلامتها للجميع، وخاصة النساء.
وأوضحت أن هذه الاتفاقية جاءت كأول وثيقة دولية تُعرّف العنف والتحرش في العمل بشكل شامل، وتطالب الدول والمؤسسات باتخاذ إجراءات ملموسة للوقاية والحماية. ولذا كان من الطبيعي أن تجد هذه الاتفاقية صدى داخل نقابة الصحفيين، وفي النقابات المهنية والعمالية عمومًا، خصوصًا أن قضايا التحرش والعنف في بيئة العمل لم تعد من المحظورات، بل باتت مطروحة بقوة على الأجندة العامة، لا سيما بعد انطلاق حملة "أنا أيضًا – Me Too" والحملات التي تبعتها، والتي فتحت المجال لمناقشة قضايا حساسة ظلّت لفترات طويلة مسكوتًا عنها.
تضيف الكاتبة الصحفية، وعضو الجمعية العمومية، أنه في هذا السياق، لعبت لجنة المرأة بنقابة الصحفيين دورًا محفّزًا للزميلات المنخرطات في قضايا سياسات الحماية، وشجعتهن على المطالبة بأن يكون للنقابة سياسات واضحة لحماية أعضائها من التحرش والعنف، وفتح الباب لتشكيل لجان تحقيق وآليات مساءلة. وقد جاء تشكيل اللجنة في وقت مثالي، تزامن مع هذا الزخم المجتمعي والاهتمام الدولي المتنامي.
وأوضحت أن الاهتمام بهذه القضية ازداد بشكل خاص خلال المؤتمر العام السادس للنقابة، حيث نُوقشت داخل أكثر من لجنة، منها اللجنة التشريعية، واحتلت موقعًا متقدمًا على أجندة النقاشات. وتم تقديم مشروع مدونة سلوك يعكس هذا الاهتمام، ويهدف إلى خلق بيئة عمل أكثر أمنًا داخل المؤسسات الصحفية، من خلال إجراءات واضحة، وشكاوى قابلة للتنفيذ، وآليات فحص وتحقيق تضمن العدالة والشفافية.
وترى عزت أنه من الطبيعي أن تتبنى الصحفيات، وخاصة الناشطات في العمل النقابي منذ سنوات، هذه المدونة وتُدرجها ضمن برامجهن الانتخابية. ومع اقتراب موعد انتخابات النقابة، برزت قضية "مدونة السلوك" كأحد المحاور الأساسية التي يطرحها المرشحون، وخاصة الصحفيات، في برامجهم، وهو ما يُعد مكسبًا مهمًا، إذ يعكس تحوّل هذه القضية من مطلب هامشي إلى أولوية مطروحة بقوة داخل الخطاب النقابي.
الأهم من ذلك، أن هذا الاهتمام لم يقتصر على الصحفيات المنخرطات سابقًا في العمل العام، بل شجع العديد من الزميلات الأخريات على الانخراط في هذا النقاش، ما يعزز من وعي جماعي يتشكل حول أهمية بيئة العمل الآمنة. ولا يصح، كما بات واضحًا، أن يُطرح خطاب مهني يتناول قضايا الحماية ومدونات السلوك دون أن يكون للمرشحات، خصوصًا، موقف واضح منها في برامجهن الانتخابية. وهذا في حد ذاته كسر لحاجز كبير، وخطوة مهمة في طريق إدماج قضايا النوع الاجتماعي وبيئة العمل في صلب أولويات النقابة – بحسب عزت.
وترى عضو الجمعية العمومية أن هذا الملف سيكون حاضرًا بقوة على طاولة مجلس النقابة الجديد، وأن الجهود التي بُذلت خلال الفترات الماضية سيتم استكمالها وصولًا إلى مدونة سلوك معتمدة من الجمعية العمومية، قادرة على فتح نقاش فعّال مع المؤسسات الصحفية، واتخاذ خطوات جادة لحماية العاملين والعاملات داخلها.
وتختتم عزت حديثها بأنه لا يمكن اختزال الجماعة الصحفية في اتجاه فكري واحد أو مرجعية واحدة. فنحن أمام جمعية عمومية شديدة التنوع، تضم طيفًا واسعًا من التوجهات والانتماءات. وكما كان هناك نقيب متحمّس للفكرة، فإن في الجمعية العمومية أيضًا من يدعمونها بدرجات متفاوتة، لا سيما أننا نتحدث عن هدف جامع: بيئة عمل آمنة للنساء والرجال على حد سواء.
من جهتها، ترى الصحفية فيولا فهمي، المرشحة على عضوية مجلس نقابة الصحفيين تحت 15 سنة، أن الحديث عن بيئة عمل صحية وآمنة لا يعني الصحفيات فقط، رغم أن أزمات الصحفيات واضحة، متكررة، وتحتل حيزًا كبيرًا من اهتمامنا وعملنا الدائم لحلها. لكن البيئة الآمنة يجب أن تشمل جميع العاملين والعاملات في المؤسسات الصحفية، بمختلف مستوياتهم الوظيفية والتنظيمية والقيادية.
وأضافت: رغم أن الحديث عن مدونات السلوك غالبًا ما يُربط بسياسات الحماية، خاصة تلك المتعلقة بالتحرش أو الابتزاز الجنسي أو الاستغلال الوظيفي، فإن فلسفة مدونة السلوك أوسع بكثير، فهي تقوم على مبدأ عدم التهاون مع أي سلوك عنيف أو غير لائق، أياً كان مصدره أو اتجاهه.
وأوضحت المرشحة على عضوية مجلس النقابة أن مدونة السلوك ليست فقط وثيقة لحماية النساء، بل هي إطار عام ينظم علاقات العمل ويضمن العدالة والكرامة للجميع، بمن فيهم الزملاء من ذوي الإعاقة، وهو ما يفرض أن تشمل المدونة إجراءات تراعي احتياجات هذه الفئات. فالهدف النهائي هو بناء بيئة مهنية تحترم الجميع وتُسهم في تحسين ظروف العمل داخل المؤسسات الصحفية.
وترى فهمي أن نضال الصحفيات شهد تطورًا ملحوظًا في أواخر عام 2019 وبداية 2020، عندما طُرحت بقوة قضية بيئة العمل الآمنة، ومدونة السلوك، كأولوية نقابية. وقد قوبل هذا الطرح في بدايته بحالة من الرفض والإنكار، تبعها خطاب يشكك في وجود شكاوى رسمية أو حالات موثقة، بل ذهب البعض إلى القول إن "النقابة لم تتلق أي شكاوى". لكن الحقيقة أن هذا ليس دليلاً على غياب الأزمات، بل يشير إلى خلل في آليات تلقي الشكاوى وتعامل النقابة معها.
وأوضحت أن النساء في نقابة الصحفيين، مثل كل البيئات المهنية في مصر، يواجهن أزمات حقيقية، ولا يجوز إنكارها، بل من الواجب مواجهتها والعمل على حلها. وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، تمكنا من فرض أجندة واضحة على طاولة النقابة ومؤسسات مختلفة، لطرح قضايا الانتهاكات والتمييز ضد الصحفيات، والتي تبدأ من التعيين والترقي، وتمتد إلى توزيع المهام والمكافآت، وصولًا إلى التعرض للتحرش وسوء استغلال السلطة من قبل بعض الرؤساء في العمل.
وأكدت المرشحة على عضوية مجلس النقابة أن تبني مدونة سلوك ملزمة للمؤسسات الصحفية لم يعد خيارًا، بل ضرورة لضمان مناخ مهني آمن وصحي. وخلال أكثر من سبعة أشهر، شاركتُ مع مجموعة من الزميلات في اجتماعات مكثفة للجنة المرأة، عقب لقاء عقدته اللجنة مع الاتحاد الدولي للصحفيين، حضره عدد من الصحفيين والصحفيات، وأعضاء من مجلس النقابة، وناقش تقرير الحريات، وأوضاع الصحفيات، وطرح مشروع إعداد مدونة سلوك ملزمة – بحسب فهمي.
انطلقت بعدها مجموعة عمل لصياغة مدونة السلوك، وعكفت على إعدادها لعدة أشهر، حتى انتهينا منها. واليوم، نحن بانتظار موافقة مجلس النقابة عليها لطرحها على الجمعية العمومية، تمهيدًا لاعتمادها وتطبيقها في المؤسسات الصحفية. ونرى أن مدونة السلوك، حين تُقرّ وتُفعّل، ستكون نقلة نوعية في مسار حماية الصحفيين والصحفيات، وربما تُشكّل حافزًا للنقابات المهنية الأخرى لتحذو حذو نقابة الصحفيين في إرساء بيئات عمل عادلة وآمنة وشاملة.
الصحفيات: نضال ممتد وطموحات تتجاوز الزمن
في إبريل من عام 2021 وبعد مطالبات عدة، قرر مجلس نقابة الصحفيين، برئاسة النقيب ضياء رشوان، خلال اجتماعه تشكيل لجنة للمرأة، ضمن تشكيل لجان المجلس وفقا لقرار سابق لمجلس 2013 /2015.
في السياق ترى عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيسة لجنة المرأة، دعاء النجار، المرشحة على عضوية مجلس نقابة الصحفيين تحت 15 سنة، أن إقبال عدد كبير من الزميلات الصحفيات على الترشح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين خلال هذه الدورة الانتخابية، يمثل إحدى الظواهر الإيجابية اللافتة، لا سيّما في ظل تنامي الأصوات المطالبة بتمثيل أوسع للنساء داخل مجلس النقابة.
فمنذ نشأة النقابة، كان للمرأة الصحفية حضورٌ لافت في أهم محطات النضال النقابي. فقد شاركت أربع سيدات ضمن قائمة المئة مؤسس للنقابة، كما حضرن أول جمعية عمومية عام 1941. وعلى مدار أكثر من 83 عامًا، لعبت الصحفيات دورًا مؤثرًا في تطوير المهنة وتعزيز العمل النقابي، وشغلن مواقع قيادية في مؤسسات إعلامية مرموقة.
وترى النجار أن المرأة الصحفية اختارت منذ البداية أن تكون في الصفوف الأولى، وسعت إلى المناصب القيادية، وأثبتت كفاءتها وجدارتها. ومن أبرز الرموز النسائية في تاريخ النقابة: الكاتبة الصحفية أمينة السعيد، أول سيدة تُنتخب عضوة في مجلس النقابة عام 1954، ثم أول وكيلة للنقابة عام 1959، كما تولّت رئاسة تحرير مجلتي "حواء" و"المصور". وبروز أيضًا الصحفية أمينة شفيق، التي استمر عطاؤها النقابي لأكثر من 28 عامًا، وشغلت منصب سكرتير عام النقابة، إلى جانب أسماء لامعة تركت أثرًا كبيرًا في المهنة والعمل العام، مثل: نوال مدكور، فاطمة السعيد، بهيرة مختار، سناء البيسي وغيرهن.
كل تلك التجارب أسهمت في رفع سقف التطلعات لدى الصحفيات، ودفعت بالكثير منهن إلى خوض غمار الانتخابات، لا سيّما في ظل دعم متزايد من لجنة المرأة بالنقابة، التي دأبت طوال السنوات الماضية على تعزيز دور المرأة في المشهد النقابي، وإدراج قضاياها ضمن أولويات العمل داخل المجلس. فلم يخلُ بيان صادر عن اللجنة من دعوات واضحة لتمكين النساء وتشجيعهن على الترشح، والوصول إلى مواقع اتخاذ القرار. وبالطبع، فإن العمل النقابي يتطلب إلمامًا معمّقًا بمختلف الملفات، إلا أن قضايا النساء تحتل مكانة مركزية، لا سيّما في ظل تصاعد أشكال التمييز والعنف القائم على النوع داخل المؤسسات الإعلامية. وفي هذا السياق، قدّمت لجنة المرأة مبادرة مهمة تمثلت في إعداد مدونة سلوك مهنية، تم عرضها على المؤتمر العام السادس للنقابة، وهدفت إلى تعزيز بيئة عمل آمنة ومنصفة داخل المؤسسات الصحفية -تقول النجار.
عن مدونة السلوك التي انتهت اللجنة من إعدادها تقول النجار، استندت المدونة إلى مرجعيات دستورية وقانونية ومهنية، من بينها: الدستور المصري، قانون العمل، قانون العقوبات، الاتفاقيات الدولية الموقعة من مصر، ميثاق الشرف الصحفي، الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة، واستراتيجية حقوق الإنسان. وقد جاءت المدونة نتاج جهد جماعي من عضوات اللجنة، تحت مظلتها، وبما يتوافق مع التوجه الرسمي للدولة المصرية في ملف دعم وتمكين المرأة.
وأوضحت أن المدونة شملت آليات واضحة لتلقي الشكاوى والبلاغات، وفحصها بفعالية، بالإضافة إلى تعريف دقيق لانتهاكات مستحدثة مثل: الابتزاز، التنمر، العنف الإلكتروني، وغيرها. وكان من المفترض أن تُطرح المدونة للنقاش داخل الجمعية العمومية، إلى جانب إطلاق برامج تدريبية داخل المؤسسات الصحفية لتعزيز وعي العاملين بها، وضمان أن تكون المدونة مرجعية يومية حية. لكن ضيق الوقت بين اختتام المؤتمر العام والاستعداد للانتخابات حال دون ذلك، وتم تأجيل النقاش لما بعد الانتهاء من العملية الانتخابية.
وترى المرشحة على عضوية مجلس النقابة أن لجنة المرأة، رغم كل التحديات، تظل آلية نقابية ضرورية ومعنية بمشكلات الزميلات الصحفيات، كما تمثل قناة تواصل أساسية بينهن وبين مجلس النقابة. ويُمثّل استمرارها تمييزًا إيجابيًا مشروعًا في ظل واقع تُشكّل فيه النساء قرابة نصف أعضاء الجمعية العمومية، ويواجهن تحديات مركّبة تتطلب دعمًا نقابيًا ومؤسسيًا دائمًا.